فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن المراد من هذه الآية قصة اتخاذ السامري العجل، وفيها مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ حمزة والكسائي: {حُلِيّهِمْ} بكسر الحاء واللام وتشديد الياء للاتباع كدلي.
والباقون: {حُلِيّهِمْ} بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء جمع حلي كثدي وثدي، وقرأ بعضهم: {مِنْ حُلِيّهِمْ} على التوحيد، والحلي اسم ما يتحسن به من الذهب والفضة.
المسألة الثانية:
قيل: إن بني إسرائيل كان لهم عيد يتزينون فيه ويستعيرون من القبط الحلي فاستعاروا حلي القبط لذلك اليوم، فلما أغرق الله القبط بقيت تلك الحلي في أيدي بني إسرائيل، فجمع السامري تلك الحلي وكان رجلًا مطاعًا فيهم ذا قدر وكانوا قد سألوا موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلها يعبدونه، فصاغ السامري عجلًا.
ثم اختلف الناس، فقال قوم كان قد أخذ كفًا من تراب حافر فرس جبريل عليه السلام فألقاه في جوف ذلك العجل فانقلب لحمًا ودمًا وظهر منه الخوار مرة واحدة.
فقال السامري: هذا إلهكم وإله موسى وقال أكثر المفسرين من المعتزلة: إنه كان قد جعل ذلك العجل مجوفًا ووضع في جوفه أنابيب على شكل مخصوص، وكان قد وضع ذلك التمثال على مهب الرياح، فكانت الريح تدخل في جوف الأنابيب ويظهر منه صوت مخصوص يشبه خوار العجل، وقال آخرون: إنه جعل ذلك التمثال أجوف، وجعل تحته في الموضع الذي نصب فيه العجل من ينفخ فيه من حيث لا يشعر به الناس فسمعوا الصوت من جوفه كالخوار.
قال صاحب هذا القول والناس قد يفعلون الآن في هذه التصاوير التي يجرون فيها الماء على سبيل الفوارات ما يشبه ذلك، فبهذا الطريق وغيره أظهر الصوت من ذلك التمثال، ثم ألقى إلى الناس أن هذا العجل إلههم وإله موسى.
بقي في لفظ الآية سؤالات:
السؤال الأول: لم قيل: {واتخذ قَوْمُ موسى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا} والمتخذ هو السامري وحده؟.
والجواب: فيه وجهان: الأول: أن الله نسب الفعل إليهم، لأن رجلًا منهم باشره كما يقال: بنو تميم قالوا كذا وفعلوا كذا، والقائل والفاعل واحد.
والثاني: أنهم كانوا مريدين لاتخاذه راضين به، فكأنهم اجتمعوا عليه.
السؤال الثاني: لم قال: {مِنْ حُلِيّهِمْ} ولم يكن الحلي لهم، وإنما حصل في أيديهم على سبيل العارية؟.
والجواب: أنه تعالى لما أهلك قوم فرعون بقيت تلك الأموال في أيديهم، وصارت ملكًا لهم كسائر أملاكهم بدليل قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُواْ مِن جنات وَعُيُونٍ} [الدخان: 25]، {وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الشعراء: 58]، {وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فاكهين * كَذَلِكَ وأورثناها قَوْمًا ءاخَرِينَ} [الدخان: 27، 28].
السؤال الثالث: هؤلاء الذين عبدوا العجل هم كل قوم موسى أو بعضهم؟.
والجواب: أن قوله تعالى: {واتخذ قَوْمُ موسى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيّهِمْ عِجْلًا} يفيد العموم.
قال الحسن: كلهم عبدوا العجل غير هارون.
واحتج عليه بوجهين: الأول: عموم هذه الآية، والثاني: قول موسى عليه السلام في هذه القصة {رَبّ اغفر لِى وَلاخِى} قال خص نفسه وأخاه بالدعاء، وذلك يدل على أن من كان مغايرًا لهما ما كان أهلًا للدعاء ولو بقوا على الإيمان لما كان الأمر كذلك، وقال آخرون: بل كان قد بقي في بني إسرائيل من ثبت على إيمانه فإن ذلك الكفر إنما وقع في قوم مخصوصين، والدليل عليه قوله تعالى: {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 181].
السؤال الرابع: هل انقلب ذلك التمثال لحمًا ودمًا على ما قاله بعضهم أو بقي ذهبًا كما كان قبل ذلك؟.
والجواب: الذاهبون إلى الاحتمال الأول احتجوا على صحة قولهم بوجهين: الأول: قوله تعالى: {عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ} والجسد اسم للجسم الذي يكون من اللحم والدم، ومنهم من نازع في ذلك وقال بل الجسد اسم لكل جسم كثيف، سواء كان من اللحم والدم أو لم يكن كذلك.
والحجة الثانية: أنه تعالى أثبت له خوارًا، وذلك إنما يتأتى في الحيوان.
وأجيب عنه: بأن ذلك الصوت لما أشبه الخوار لم يبعد إطلاق لفظ الخوار عليه، وقرأ علي رضي الله عنه: {جؤار} بالجيم والهمزة، من جأر إذا صاح فهذا ما قيل في هذا الباب.
واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم هذا المذهب والمقالة احتج على فساد كون ذلك العجل إلها بقوله: {أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتخذوه وَكَانُواْ ظالمين} وتقرير هذا الدليل أن هذا العجل لا يمكنه أن يكلمهم ولا يمكنه أن يهديهم إلى الصواب والرشد، وكل من كان كذلك كان إما جمادًا وإما حيوانًا عاجزًا، وعلى التقديرين فإنه لا يصلح للإلهية، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن من لا يكون متكلمًا ولا هاديًا إلى السبيل لم يكن إلها لأن الإله هو الذي له الأمر والنهي، وذلك لا يحصل إلا إذا كان متكلمًا، فمن لا يكون متكلمًا لم يصح منه الأمر والنهي، والعجل عاجز عن الأمر والنهي فلم يكن إلها.
وقالت المعتزلة: هذه الآية تدل على أن شرط كونه إلها أن يكون هاديًا إلى الصدق والصواب، فمن كان مضلًا عنه وجب أن لا يكون إلها.
فإن قيل: فهذا يوجب أنه لو صح أن يتكلم ويهدي، يجوز أن يتخذ إلها، وإلا فإن كان إثبات ذلك كنفيه في أنه لا يجوز أن يتخذ إلهًا فلا فائدة فيما ذكرتم.
والجواب من وجهين: الأول: لا يبعد أن يكون ذلك شرطًا لحصول الإلهية، فيلزم من عدمه عدم الإلهية وإن كان لا يلزم من حصوله حصول الإلهية.
الثاني: أن كل من قدر على أن يكلمهم وعلى أن يهديهم إلى الخير والشر فهو إله، والخلق لا يقدرون على الهداية، إنما يقدرون على وصف الهداية، فأما على وضع الدلائل ونصبها فلا قادر عليه إلا الله سبحانه وتعالى.
واعلم أنه ختم الآية بقوله: {وَكَانُواْ ظالمين} أي كانوا ظالمين لأنفسهم حيث أعرضوا عن عبادة الله تعالى واشتغلوا بعبادة العجل، والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

{واتخذ قَوْمُ موسى مِن بَعْدِهِ} يعني من بعد انطلاقه إلى الجبل، وذلك أن موسى عليه السلام لما وعد لقومه ثلاثين يومًا فتأخر عن ذلك، قال السامري لقوم موسى: إنكم أخذتم الحلي من آل فرعون، فعاقبكم الله تعالى بتلك الخيانة، ومنع الله عنا موسى.
فاجمعوا الحلي الذي أخذتم من آل فرعون حتى نحرقها، فلعل الله تعالى يرد علينا موسى فجمعوا الحلي وكان السامري صائغًا، فجعل الحلي في النار واتخذ {مِنْ حُلِيّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ} وقد كان رأى جبريل على فرس الحياة، فكلما وضع الفرس حافره ظهر النبات في موضع حافره.
فأخذ كفًا من أثر حافره من التراب وألقى ذلك التراب في العجل.
فصار العجل من حليهم عجلًا جسدًا.
قال الزجاج: الجسد هو الذي لا يعقل ولا يميز إنما معنى الجسد معنى الجثة فقط.
وروي عن ابن عباس قال صار عجلًا له لحم ودم وله خوار يعني: صوت مثل صوت العجل ولم يسمع منه إلا صوت واحد.
وقال بعضهم: سمع منه صوت ولم يسمع منه إلا مثل صوت العجل.
وقال بعضهم: جعله مشتبكًا فدخل فيه الريح فسمع منه صوت مثل صوت العجل.
فقال لقومه: هذا إلهكم وإله موسى، فاغترّ به الجهال من بني إسرائيل وعبدوه.
قال الله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلّمُهُمْ} يعني: لا يقدر على أن يكلمهم {وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} يعني: لا يرشدهم طريقًا {اتخذوه وَكَانُواْ ظالمين} يعني: كافرين بعبادتهم.
وقرأ حمزة والكسائي {مِنْ حُلِيّهِمْ} بكسر الحاء.
وقرأ الباقون {مِنْ حُلِيّهِمْ} بضم الحاء.
فمن قرأ بالكسر فهو اسم لما يحسن به من الذهب والفضة.
ومن قرأ بالضم، فهو جمع الحَلْي ويقال: كلاهما جمع الحَلْي وأصله الضم إلا أن من كسر فلاتباع الكسرة بالكسرة. اهـ.

.قال الثعلبي:

{واتخذ قَوْمُ موسى مِن بَعْدِهِ} أي من بعد انطلاقه إلى الجبل {مِنْ حُلِيِّهِمْ} التي استعاروها من قوم فرعون.
وكانت بنو إسرائيل في القبط بمنزلة أهل الجزية في الإسلام، وكان لهم يوم عيد يتزينون فيه ويستعيرون من القبط الحلي فزامن ذلك عيدهم فاستعادوا الحلي للقبط فلما أخرجهم الله من مصر وغرق فرعون بقيت تلك الحلي في أيديهم فاتخذ السامري منها عجلًا وهو ولد البقر {عِجْلًا جَسَدًا} مجسّد لا روح فيه.
وقال وهب: جسدًا لحمًا ودمًا {لَّهُ خُوَارٌ} وهو صوت البقر خار خورة واحدة ثمّ لم تعد. وقال وهب: كان يسمع منه الخوار إلاّ أنّه لا يتحرك. وقرأ عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه: خوار بالجيم والهمز وهو الصوت أيضًا واختلفت القراء في قوله حليهم، فقرأ يعقوب بفتح الحاء وجزم اللام وتخفيف الياء على الواحد.
وقرأ حمزة والكسائي: حليّهم بكسر الحاء وتشديد الياء، الباقون بضم الحاء وهما لغتان مثل صلى وجثى وبكى وعثى يجوز فيها الكسر والضم {أَلَمْ يَرَوْاْ} يعني الذين عبدوا العجل من دون الله: {أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} قال الله: {اتخذوه} عبدوه واتخذوه إلهًا {وَكَانُواْ ظَالِمِينَ} كافرين. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ}.
{اتخذ} أصله ايتخذ وزنه افتعل من تخذ هذا قول أبي علي الفارسي، والضمير في {بعده} عائد على موسى أي بعد مضيه إلى المناجاة وأضاف الحليّ إلى بني إسرائيل وإن كان مستعارًا من القبط إذ كانوا قد تملكوه إما بأن نفلوه كما روي وحكى يحيى بن سلام عن الحسن أنه قال: استعار بنو إسرائيل حلي القبط ليوم الزينة فلما أمر موسى أن يسري بهم ليلًا تعذر عليهم رد العواري، وأيضًا فخشوا أن يفتضح سرهم، ثم إن الله نفلهم إياه، ويحتمل أن يضاف الحلي إلى بني إسرائيل من حيث تصرفت أيديهم فيه بعد غزو آل فرعون، ويروى أن السامري واسمه موسى بن ظفر وينسب إلى قرية تسمى سامرة قال لهارون حين ذهب موسى إلى المناجاة: يا هارون إن بني إسرائيل قد بددوا الحلي الذي استعير من القبط وتصرفوا فيه وانفقوا منه، فلو جمعته حتى يرى موسى فيه رأيه، قال: فجمعه هارون فلما اجتمع قال للسامري: أنت أولى الناس بأن يختزن عندك، فأخذه السامري وكان صائغًا فصاغ منه صورة عجل وهو ولد البقرى {جسدًا} أي جثة وجمادًا وقيل كان جسدًا بلا رأس وهذا تعلق بأن الجسد في اللغة ما عدا الرأس وقيل إن الله جعل له لحمًا ودمًا.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف لأن الآثار في أن موسى برده بالمبارد تكذب ذلك، والخوار صوت البقر، ويروى أن هذا العجل إنما خار مرة واحدة، وذلك بحيلة صناعية من السامري أو بسحر تركب له من قبضه القبضة من أثر الرسول، أو بأن الله أخار العجل لفتن بني إسرائيل، وقرأت فرقة له {جوار} بالجيم وهو الصياح قال أبو حاتم وشدة الصوت، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وأبو عمرو والحسن وأبو جعفر وشيبة {من حُلِيهم} بضم الحاء وكسر اللام، وهو جمع حلي على مثال ثدي، وثديّ، وأصله حلوي قلبت الواو ياء وأدغمت فجاء حلي فكسرت اللام لتناسب الياء، وقرأ حمزة والكسائي {من حِليهم} بكسر الحاء على ما قدمنا من التعليل، قال أبو حاتم إلا أنهم كسروا الحاء إتباعًا لكسرة اللام، قال أبو علي وقوى التغيير الذي دخل على الجمع على هذا التغيير الأخير، قال ومما يؤكد كسر الفاء في هذا النحو من الجمع قولهم قسيّ، قال أبو حاتم وقرأ هكذا يحيى بن وثاب وطلحة والأعمش وأصحاب عبد الله، وقرأ يعقوب الحضرمي {من حَلْيهم} بفتح الحاء وسكون اللام، فإما أن يكون مفردًا يراد به الجميع وإما أن يكون جمع حلية كتمرة وتمر ومعنى الحلي ما يتجمل به من حجارة وذهب وفضة، ثم بين الله تعالى سوء فطرهم وقرر فساد اعتقادهم بقوله: {ألم يروا أنه لا يكلمهم} الآية، وذلك أن الصامت الجماد لا يتصف بالإلهية والذي لا يرشد إلى خير ولا يكشف غمًا كذلك، والضمير في {اتخذوه} عائد على العجل، وقوله: {وكانوا} إخبار لنا عن جميع أحوالهم ماضيًا وحالًا ومستقبلًا، ويحتمل أن تكون الواو واو حال، وقد مر في البقرة سبب اتخاذ العجل وبسط تلك الحال بما أغنى عن إعادته هاهنا. اهـ.